أسس الإغريق بيزنطة في أواسط القرن السابع قبل الميلاد . وأصبحت جزءا من الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد . وفي سنة 306 م ، أصبح قسطنطين إمبراطورا على النصف الغربي من الإمبراطورية الرومانية . وفي سنة 324 م ، أصبح إمبراطورا على الإمبراطورية كلها . وفي سنة 330 م ، جعل قسطنطين بيزنطة عاصمة للإمبراطورية ، لأن القسم الشرقي منها كان قد أصبح أكثر أهمية من القسم الغربي . وقد أعيد تسمية العاصمة باسم القسطنطينية
عرفت أيضا باسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية ؛ لأنها حكمت ما يشكل القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية . وقد اشتملت الإمبراطورية البيزنطية خلال القرن السادس الميلادي وهي الفترة التي وصلت فيها إلى أكبر اتساعها على أجزاء من جنوبي أوروبا وشرقيها وإفريقيا الشمالية ، والشرق الأوسط .
قامت الإمبراطورية البيزنطية بعدة أدوار مهمة في التاريخ . فقد حمت القسم الأكبر من أوروبا من هجمات القبائل البربرية الجرمانية ووقفت في وجه الفاتحين الشرقيين ، العرب والأتراك . وحافظ البيزنطيون على الأدب والفلسفة الإغريقية القديمة . كما حافظوا على التقاليد الحكومية والتشريعية الرومانية . ازدهرت في الإمبراطورية البيزنطية كل من النصرانية والثقافة الإغريقية ، والتقاليد الرومانية ، الأمر الذي يربط ما بين الحضارة الأوروبية القديمة والحضارة الأوروبية الحديثة .
أطلق سكان الإمبراطورية البيزنطية على أنفسهم اسم الرومان . وكلمة بيزنطي جاءت من كلمة بيزانتيوم ( بيزنطة ) ، الاسم الإغريقي لمدينة تقع على البوسفور ، وهو مضيق يشكل جزءا من الممر المائي الذي يربط البحر الأسود بالبحر المتوسط . نقل الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير ، سنة 330 م ، عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة ، ( مدينة إسطنبول الحالية في تركيا ) ، والتي أطلق عليها اسم القسطنطينية بعد موت قسطنطين . ويرى بعض المؤرخين أن الإمبراطورية البيزنطية قد بدأت في تلك السنة ، أي عام 330 م . في حين يرى آخرون أنها بدأت سنة 395 م ، وهي السنة التي انقسمت فيها الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطوريتين هما الإمبراطورية الرومانية الغربية والإمبراطورية الرومانية الشرقية . وزالت الإمبراطورية البيزنطية بعد أن فتح الأتراك العثمانيون مدينة القسطنطينية سنة 1453 م
انحدر سكان الإمبراطورية البيزنطية من شعوب قديمة مختلفة . وعاش عدد كبير من الأرمن والسلاف في مناطق نائية من الإمبراطورية . اشتملت الطبقة العليا في القسطنطينية على الأرمن والبلغار والإغريق والنورمان والأتراك . وتكلم البيزنطيون اللغة اليونانية .
كانت أغلبية البيزنطيين من المزارعين الفقراء الذين كانوا يعيشون في أكواخ من غرفة واحدة بنيت من الخشب أو اللبن . وكانت معظم بيوت القسطنطينية من الخشب . ولكن الأغنياء عاشوا في قصور مبنية من الحجارة ، وكان يشتمل عدد كبير منها على فناء مغلق . وكان العمال في الإمبراطورية يرتدون القمصان القصيرة ، وهي قمصان ضيقه ، قصيرة الأكمام تبلغ الركبتين ، منسوجة من الصوف أو الكتان . أما الطبقات العليا فقد ارتدت الأرواب الطويلة المصنوعة من الحرير الفاخر المزين بزخارف بارزة .
كانت التقاليد البيزنطية تقضي بأن تعيش النساء في عزلة جزئية ، وتخصص لهن في البيوت الكبيرة أجزاء خاصه بهن . وكانت معظم النساء يمضين أوقاتهن في تأدية الواجبات المنزلية . إلا أن بعضهن كن يتلقين تعليما . وحكمت النساء الإمبراطورية في أوقات متعددة . وكانت الإمبراطورة ثيودورا وهي زوجة جستنيان الأول واحدة من أكثر النساء نفوذا في الإمبراطورية . وقد أثرت على سياسة زوجها ، واستخدمت سلطتها لرفع أصدقائها وسحق أعدائها
أدى الدين دورا مهما في حياة البيزنطيين . فقد تنصر قسطنطين ، وشجع رعاياه على التنصر وأصبحت النصرانية في عهد ثيودوسيوس الأول الذي اعتلى العرش في سنة 379 م الديانة الرسمية للدولة . نشر المنصرون البيزنطيون النصرانية في شتى أرجاء الإمبراطورية ، ونصروا الكثيرين من الروس والشعوب السلافية الأخرى . وما زالت الكنائس الأرثوذكسية الشرقية إلى اليوم تتبع التقاليد الدينية البيزنطية
كان البرابرة الأوروبيون ، في حياة جستنيان ، قد غزوا الإمبراطورية من كل الجبهات . واستولى اللومبارديون الذين جاءوا من ألمانيا على أجزاء من إيطاليا ، وهاجم السلاف والآفار شبه جزيرة البلقان . كما أضعفت الغزوات الفارسية الإمبراطورية خلال أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الميلاديين . وقد نجح هرقل الذي أصبح حاكما سنة 610 م في وقف انهيار الإمبراطورية إلى حين ، وذلك بهزيمته للفرس . في سنة 634 م ، هاجم الإمبراطورية أناس آخرون . فقد فتح المسلمون أواسط أراضيها الشرقية . وكان المسلمون في سنة 642 م ، قد فتحوا كلا من سوريا وفلسطين ومصر بغرض نشر الإسلام وتعاليمه . وفي أوائل القرن الثامن الميلادي ، كانت الإمبراطورية البيزنطية تقتصر على آسيا الصغرى ، وساحل البلقان ، وكريت ، وجزرا إغريقية أخرى ، وجنوبي إيطاليا وصقلية .
حاول الأباطرة البيزنطيون ، خلال القرن الثامن وأوائل القرن التاسع الميلاديين إلغاء عبادة صور المسيح والقديسين ، وذلك فيما يعرف بمحاربة الأيقونية ، وعارضت كنائس القسم الغربي من الإمبراطورية هذا الإجراء . وقد مزق هذا النزاع الإمبراطورية إلى حد كبير
بدأت الإمبراطورية البيزنطية في التدهور ثانية خلال القرن الحادي عشر الميلادي . ففي سنة 1071 م ، كان النورمان قد فتحوا جنوبي إيطاليا ، واجتاح الأتراك السلاجقة آسيا الصغرى . وطلب الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنينوس الذي اعتلى العرش سنة 1081 م المساعدة من نصارى أوروبا الغربية ، للدفاع عن الإمبراطورية ضد الأتراك السلاجقة . وكان هؤلاء قد سيطروا على الأراضي المقدسة وهددوا الإمبراطورية البيزنطية كذلك . وأصبحت الحملات العسكرية التي قام بها نصارى أوروبا الغربية على الأراضي المقدسة تعرف باسم الحروب الصليبية .
وخلال الحملة الصليبية الأولى ، التي بدأت في عام 1096 م وانتهت في عام 1099 م ، استولى الصليبيون على المناطق الساحلية من الأراضي المقدسة . وأدت الحملات الصليبية اللاحقة إلى ازدياد التوتر والبغضاء بين البيزنطيين ونصارى غربي أوروبا . وكان لهذه البغضاء الدينية ، خلال الحملة الصليبية الرابعة سنة 1204 م ، الدور الرئيسي في استيلاء جيوش الغرب على القسطنطينية ، وكان ذلك يعود ، جزئيا ، إلى رغبة تجار مدينة البندقية الإيطالية في الهيمنة على التجارة في الشرق الأوسط . وأقام البنادقة والصليبيون إمبراطورية جديدة وسيطروا على مقاليد الحكم في القسطنطينية ، ونجح بعض رجال البلاط من البيزنطيين المهزومين ، في تأسيس قواعد لهم في آسيا الصغرى واسترداد القسطنطينية سنة 1261 م . ولكن سرعان ما فتح المسلمون بقيادة الأتراك العثمانيين آسيا الصغرى واستولوا على أجزاء منها ، كما تقدم الصرب في البلقان ، في حين أضعفت الحروب الأهلية أركان الإمبراطورية .
في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي ، لم يكن قد بقي في حوزة الإمبراطورية البيزنطية سوى القسطنطينية وجزء من بلاد اليونان . وسقطت عندما استولى الأتراك العثمانيون عليها سنة 1453 م . ومات آخر إمبراطور بيزنطي ، وهو قسطنطين الحادي عشر ، بينما كان يدافع عنها . وسقطت طرابزون وكانت المعقل الأخير للسلطة الإغريقية بيد الأتراك العثمانيين سنة 1461 م