كان الرئيس الراحل أنور السادات مولعا برواية قصة حياته للعالم ، فقد حكاها عشرات المرات وفى كل مرة كان يضيف وقائع ويحذف أخرى لكى يزيد من أهمية دوره وزعامته ، والطريف فى الأمر أن الرئيس السادات على كثرة ما روى من قصص عن حياته سواء عبر أحاديث صحفية وتليفزيونية أو عبر كتب ومذكرات لم يأت أبدا بوثيقة واحدة تثبت صحة رواياته حتى أصدر عام 1978 مذكراته النهائية فى كتاب باسم ( البحث عن الذات ) صاغه له كلا من الدكتور رشاد رشدي والصحفي أنيس منصور ، صدرت هذه المذكرات عام 1978 والرئيس السادات فى ذروة سلطانه وقد أصبح نجما عالميا من وجهة نظر الغرب بعد قيامه بزيارة إسرائيل واتخاذه لقرار السلام المنفرد مع العدو التاريخي لمصر والعرب ، بما يجعل تلك المذكرات كلمته النهائية فى ما رواه من أحداث سواء اتفقنا أو اختلفنا معه ومع رؤيته للأحداث التاريخية ، فالكتاب فى النهاية يحمل أسمه كسيرته الذاتية المعتمدة .
وفى هذا الكتاب رسم السادات لنفسه صورة أسطورية كشخصية حكيمة نبيلة متدينة دقيقة التفكير وهاجم فيه بضراوة شخصية سلفه الرئيس جمال عبد الناصر وصوره كشخص حقود متهور وعصبى وصور عهده كمصيبة ضربت مصر ، وقال أنه ترك له مصر بلدا ممزقا بالفتن والأزمات السياسية و الاقتصادية والعسكرية ، كما هاجم المشير عبد الحكيم عامر ووصفه بالجهل والشللية وإدمان الأخطاء والانسياق وراء معاونيه ، وبالنسبة للأستاذ محمد حسنين هيكل فلم يذكر الرئيس السادات أسمه طيلة صفحات الكتاب من شدة ضيقه منه وقام بتسميته (المستشار الصحفي للرئيس عبد الناصر) وألصق به تهم الحقد على العائلات الكبيرة وفبركة البيانات واستغلال قربه من الرئيس عبد الناصر فى تكوين مركز قوى، ووصف رجال عبد الناصر من مجموعة مايو شركاؤه في الحكم بالعمالة للسوفيت والديكتاتورية والقمع والتجسس على الناس وهاجم اللواء محمد نجيب و الفريق محمد فوزي و الفريق محمد صادق الذى سانده فى انقلاب مايو 1971وأتهم الفريق سعد الدين الشاذلي بانهيار الأعصاب والتسبب فى الثغرة، وبلغت المهزلة ذروتها عندما حكى الرئيس أسباب عدم عمله بمجلة روز اليوسف أثناء فترة فصله من الجيش قبل الثورة وبررها بأن المجلة لم تكن تحتمل كاتبين كبيرين مثله هو و إحسان عبد القدوس ، وكذلك عدم عمله بمجلة الهلال لنفس السبب وهو وجود كاتبين كبيرين مثله ومثل الأستاذ كامل الشناوى وأنصب معظم غضب الرئيس الراحل على الاتحاد السوفيتي الذى أتهمه بمحاولة إذلال مصر والسيطرة عليها وغزوها بالفكر الشيوعى ، وهكذا لم يسلم أحد من اتهامات الرئيس السادات إلا صديقه الملك فيصل حيث يعترف السادات بصداقته له حتى فى ذروة الخلافات المصرية السعودية أثناء حرب اليمن التى كان أنور السادات خلالها هو المسئول عن ملف السعودية واليمن ومقاومة النشاط السعودى المضاد لمصر حتى قام أحرار السعودية بإبلاغ الرئيس عبد الناصر باتصالات السادات المريبة بكمال ادهم مدير المخابرات السعودية فأنهى الرئيس عبد الناصر مسئولية السادات عن هذا الملف ومن الغريب أن علاقات السادات بالسعوديين عادت بشكل ملفت للنظر عقب وفاة الرئيس عبد الناصر بزيارات مدير المخابرات السعودية كمال أدهم المتكررة لمصر ولقاءاته بالسادات ، كما يشيد السادات بصديقه وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وصديقه شاه إيران محمد رضا بهلوى هكذا قال الرئيس السادات كلمته وترك لنا كتاب ( البحث عن الذات ) .
فجأة قرر الأستاذ أنيس منصور صديق الرئيس السادات وجليسه أن يصدر كتابا تحت أسم ( من أوراق السادات ) جمع فيه سلسلة من الحكايات رواها له الرئيس السادات حتى عام 1977 كما ورد فى الكتاب ، ويبدو اختيار الرئيس السادات لأنيس منصور بالذات كجليس دائم له ومعبر عن أفكاره وكاتب لمذكراته ذو دلالة عن كيفية تفكير الرئيس الراحل ، فأنيس منصور أشتهر منذ بداية عمله بالصحافة بالكتابة عن تحضير الأرواح وقراءة الفنجان ، والمخلوقات الفضائية التى هبطت من السماء وبنت لنا الأهرامات ثم عادت إلى السماء مرة أخرى ، ولعنة الفراعنة والوجودية والرحلات ولم يعرف عنه أى اهتمامات سياسية غير مدح عبد الناصر و ثورة يوليو فكان من أشد المؤيدين للثورة ولعبد الناصر وقد دبج مقالات عديدة فى الإشادة بالرئيس عبد الناصر وحكمته وزعامته المتفردة ، كما كان وثيق الصلة بشقيقه شوقى عبد الناصر ، وقد ظل أنيس منصور يرثى الرئيس عبد الناصر عقب وفاته ولمدة عام كامل بعدها حتى سبتمبر 1971، ويبدو ذلك الأمر فى حاجة إلى طبيب نفسى خاصة فى ظل انقلاب أنيس اللاحق على عبد الناصر و عهده ، فالزعيم رحل ورجاله فى السجون والثورة تم الانقضاض عليها فما داعى أنيس إلى النفاق إلا إذا كان مازال يتحسس اتجاه الرياح القادمة حتى يتبعها ،وبعدما أطمأن أنيس إلى بداية الحملات الظالمة لتشويه عبد الناصر وعهده ورجاله وإثر اختيار السادات له كمعبر عن أفكاره شارك فى حملة الهجوم على عبد الناصر وعهده بنشاط فائق ووجه للرئيس الراحل أبشع وأقذر التهم فى مقالاته ، ثم جمع معظم تلك النفايات فى كتاب سماه ( عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا ) ، وبين كل حين و أخر يقوم بتوجيه شتائم جديدة للرئيس عبد الناصر بدون سبب وكأنه مصاب بحساسية جمال عبد الناصر فكلما تذكر اسمه انتابته الحكة والتى لا تهدأ إلا بعد أن يسب الزعيم الراحل .