يرويها لواء أ.ح متقاعد/ حسام سويلم
*******************
حسام الدين خيرت.. العقل المدبر لصناعة الصاروخ “,”كوندور -2“,”
· عبقرية فذة مبدعة .. قدم الكثير لمصر .. ورحل في يناير الماضي بهدوء
· حصل على أول دكتوراه في تاريخ الكلية الفنية العسكرية
· أنجز أكثر من 20 مشروعاً لتطوير أسلحة وذخائر ومدرعات وصواريخ
· رفض العمل مع فرنسا براتب مليون دولار سنويًّا عام 86
· الموساد سعت لنسف معدات مشروع الصاروخ أثناء نقلها لمصر
· إسرائيل لاحقت “,”خيرت“,” في فرنسا والنمسا وألمانيا ,وفشلت في خطفه أو إغتياله
· أبو غزالة سلم CIA “,”جاسوسًا أمريكيًّا“,” مقابل إسقاط التهم عن خيرت
· صاروخ “,”كوندور –2“,” قادر على زعزعة أمن إسرائيل وردع تهديدات إيران
· ساهم في مشروعات إزالة الألغام وتوليد كهرباء من مياه النيل وزراعة 3 مليون فدان بالساحل الشمالي
مقدمة
أصابتني الحسرة وأنا أقرأ في بعض وسائل الإعلام عن من ينسب مشروع الصواريخ المصرية (بدر 2000) (وأصله الصاروخ الأرجنتيني (كوندور -2)) لغير صاحبه، مستغلًا التشابه في بعض الأسماء، في حين أن الذي خطط له وأشرف عليه وأداره بمنتهى الإخلاص والتفاني والتضحية، فضلًا عن الكفاءة والمهارة الفنية والإدارية، هو عميد د. مهندس أحمد حسام الدين خيرت؛ وكان من نتيجة ذلك وصول كامل مصنع الصواريخ (كوندور-2) من آلات ومعدات ومواد وتقنيات إلى مصر في عام 1988.
لاقى أحمد حسام الدين خيرت (رحمه الله) ربه في أول يناير 2013 راضيًا بما قدمه لوطنه من واجبات وتضحيات، مرضيًّا عنه -بإذن الله- من الله ورسوله؛ لحبه وتعلقه وعشقه لبلده مصر، فقد عمل طوال حياته من أجل خدمة ورفعة شأن وطنه، والتخطيط والبحث والدراسة لصد العدائيات المتربصة بمصر، ووظف وكرّس كل جهده وصحته، بل وماله أيضًا، فضلًا عن ما حصل عليه من علوم وخبرات، خاصة في مجال الصواريخ؛ من أجل ردع هذه العدائيات وتحقيق متطلبات الأمن القومي المصري في شقه العسكري بأفرعه المختلفة.
فلقد أنعم الله عليه بعقلية خلاقة ومبدعة وشاملة، لم تقتصر على تخصصه في الصواريخ فقط، بل تخطت ذلك إلى مجالات أخرى عديدة في معظم أفرع القوات المسلحة، ثم تعدت اهتماماته ومشروعاته بعد خروجه إلى المعاش إلى المجال المدني؛ حيث قدم مشروعات تطوير عديدة في مجالات الصناعة والزراعة والكهرباء والبحث العلمي والبترول والثروة السمكية والأمن الغذائي والبيئة.
لقد كان حسام خيرت بحق عبقرية فذة، نادرًا ما يجود بها الزمان، وللأسف لم يحسن المسئولون في مصر الاستفادة منها، إلى أن توفاه الله العام الحالي، بعد حياة طويلة مليئة بالإنجازات والتضحيات.
“,” “,” · من هو حسام خيرت؟
- التحق حسام خيرت بالكلية الفنية العسكرية عام 1961، وحصل منها على بكالوريوس هندسة تصميم الصواريخ، بدرجة جيد جدًّا، في عام 1967، ثم التحق بسلاح المدفعية، الذي وضعت أسلحة الصواريخ الباليستية والمضادة للدبابات ضمن اختصاصه، وكانت فرصته لتقديم العديد من مشروعات تطوير الصواريخ أرض/أرض؛ لزيادة مداها ودقتها وحمولتها، وأيضًا الصواريخ المضادة للدبابات (سوينج فاير)؛ حيث زاد من قوة اختراقها ودقتها، فضلًا عن مشروعات أخرى لتطوير ذخائر ذكية، وتطوير الحظائر المحصنة للطائرات؛ لتتحمل ضربات القنابل المعادية التي تولد ضغوطًا جوية عالية.
هذا فضلًا عن مشروعات أخرى تم تصنيفها بدرجة “,”سري للغاية“,”، في مجالات تطوير المعدات والأسلحة والذخائر، وزيادة قدرتها التدميرية، وإطالة أعمار المدافع، والتغلب على نقص الخامات والمواد الحيوية التي كانت تستورد من الخارج بإحلالها بمواد محلية رخيصة للغاية.
- ولقد كان لتخرجه في عام الهزيمة 1967 أثر كبير في تطور تفكيره؛ بحثًا عن وسائل لاستعادة سيناء عسكريًّا، ولردع العدو الإسرائيلي والتغلب على تفوقه الجوي الذي تؤمنه الولايات المتحدة لإسرائيل.
ولتحقيق هذا الهدف قدّم حسام خيرت عشرات البحوث قبل حرب أكتوبر 1973، وكان يتميز بالشجاعة؛ لذلك لم يتردد في مقابلة جميع المسئولين من أجل عرض مشروعاته وأفكاره التي كان يؤمن بفاعليتها، ومنها خطة لبناء قوة صاروخية ردعية قدَّمها إلى كل من وزير الدفاع، محمد صادق، ومدير مكتب الرئيس السادات، أشرف مروان، في ديسمبر 1972، كما قابل أيضًا -لنفس الهدف- كلًا من الفريق كمال حسن علي، والمشير أحمد إسماعيل، والمشير عبد الغني الجمسي، وزراء الدفاع آنذاك، وبعضهم شجعه، وآخرون لم يعطوه اهتمامًا.
وعلى الصعيد المدني عرض حسام خيرت في ديسمبر 1972 خطة إخفاء وتمويه للأهداف الإستراتيجية في مصر على المهندس سيد مرعي، رئيس مجلس الشعب وأمين عام الاتحاد الاشتراكي آنذاك. وخلال فترة ما قبل حرب أكتوبر قام بتصميم وتجربة صواريخ، مع ضباط من الكلية الفنية ومصنع صقر، لأول مرة في مصر، وتم تجربتها بنجاح في ديسمبر 1972.
- بعد حرب أكتوبر 1973، ومن خلال عمله رئيسًا لقسم البحوث والتطوير بإدارة المدفعية، التقى حسام خيرت لأول مرة بالمشير عبد الحليم أبو غزالة عندما كان رئيسًا لأركان سلاح المدفعية، والذي اكتشف أهمية ما يحمله حسام خيرت من أفكار حول مشروع بناء صواريخ باليستية إستراتيجية، توافقت تمامًا مع ما في رأس أبو غزالة من أفكار حول تحقيق ردع صاروخي مصري مضاد للردع النووي والجوي الإسرائيلي، وشجَّعه على الاستمرار في أبحاثه في هذا المجال؛ لأن هذا هو الأمل الوحيد لمصر في تحقيق ردع إستراتيجي مضاد لإسرائيل، في ظل الاحتكار النووي الإسرائيلي، والتفوق الجوي الذي تكفله الولايات المتحدة لإسرائيل، بالحصول على أحدث المقاتلات المسلح بها القوات الجوية الأمريكية ذاتها.
إلا أن تعيين أبو غزالة ملحقًا عسكريًّا في الولايات المتحدة لمدة أربع سنوات (1975- 1978) باعد بين الاثنين، وهي الفترة التي استغلها حسام خيرت في الحصول على الماجيستير (عام 1980) والدكتوراه من الكلية الفنية العسكرية، وهي أول رسالة دكتوراه تمنحها الكلية، وكانت عن تطوير معدات وأسلحة ذات أهمية إستراتيجية للقوات المسلحة؛ ونظرًا لسرية رسالة الدكتوراه لم يحضرها سوى الفريق عبد رب النبي حافظ، رئيس الأركان آنذاك، ومجموعة متخصصة من ضباط القوات المسلحة، وكان حسام خيرت قد حصل في عام 1978 على المركز الأول للبحث العلمي على مستوى القوات المسلحة.
- عندما عاد المشير أبو غزالة إلى مصر عام 1978، وتم تعيينه مديرًا للمخابرات الحربية، ثم رئيسًا للأركان عام 1979، قام بتعيين حسام خيرت رئيسًا لفرع البحوث والمشروعات الخاصة بوزارة الدفاع عام 1981، وحتى عام 1989، وتحت الإشراف الشخصي من جانب المشير أبو غزالة. وخلال هذه الفترة أنجز حسام خيرت أكثر من 20 مشروعًا لتطوير أسلحة وذخائر ومعدات وحماية دروع الدبابات، والدشم المحصنة، وتم تطبيقها فعليًّا في وحدات القوات المسلحة.
في تلك الفترة قامت صحيفة الأهرام -بطلب من المشير أبو غزالة- بنشر تحقيق، في عدد الجمعة الأسبوعي، في 24 ديسمبر 1982، تحت العناوين الآتية: “,”كشف مصري يحدث ثورة تكنولوجية في الصناعات الحربية، يؤدي إلى زيادة قدرات بعض الأسلحة، ومادة جديدة لتصنيع الذخائر“,”، “,”الإنتاج الشامل للتطوير الجديد يوفر مئات الملايين من الجنيهات“,”، “,”الرجال.. والعمل الجماعي الجاد“,” للكاتب محمد عبد المنعم، وفيه ذُكر اسم حسام خيرت وصورته، أبرز فيه الكاتب “,”قصة ضابط شاب بالقوات المسلحة وزملاء له قـدَّموا ابتكارات عالمية تطور من المعدات والأسلحة.. وتوفر على الدولة مئات الملايين من الجنيهات“,”، كما ذكر تفاصيل المشروعات التي نفذها حسام خيرت في مجال تطوير الصواريخ والأسلحة والذخائر.
وأعتقد -من جانبي- أن نشر ذلك كان خطأً أمنيًّا جسيمًا؛ لأنه لفت أنظار أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية لخطورة حسام خيرت على أمن إسرائيل ومصالح أمريكا في المنطقة، ومنذ ذاك الحين بدأت أعين أجهزة المخابرات الإسرائيلية تتركز عليه، وإن كان هدف أبو غزالة من نشر هذا المقال هو تحفيز الشباب للعمل بإخلاص من أجل الوطن، وكردّ على انتشار الفساد في القطاع المدني في ذلك الوقت، وهو ما انعكس في كثرة قضايا الفساد التي كانت معروضة على المحاكم.
“,” “,” · قصة حسام خيرت مع الصاروخ “,”كوندور- 2“,”
- أثناء حضور حسام خيرت دورة تأهيلية للدفع الصاروخي في النمسا، بترتيب من المهندس سيد يونس، رئيس مجلس إدارة مصنع 18 الحربي للوقود الصاروخي في أبو زعبل، حضرها معه أيضًا صديقه القديم في الكلية الفنية العسكرية المهندس عبد القادر حلمي.
تعرف حسام خيرت -بواسطة سيد يونس- على عالم صواريخ ألماني، الذي أطلعه على نظام صاروخي تطوره إيطاليا مع الأرجنتين، ووافق العالم الألماني على أن يكون حلقة الوصل بين مصر والأرجنتين في مجال تطوير مشترك للصاروخ الباليستي (كوندور-2).
ولتأكيد جميع المعلومات المتعلقة بهذا المشروع، قام حسام خيرت بزيارة مقار الشركات ذات العلاقة بالمشروع في كل من ألمانيا وإيطاليا والأرجنتين والبرازيل ثم فرنسا، حيث التقى في الأخيرة بالمشير أبو غزالة أثناء زيارة رسمية لباريس، واقتنع أبو غزالة بفكرة المشروع، وحدّد هدفه في: “,”تحقيق تعاون لتطوير صاروخ باليستي مصري طويل المدى (مدى 1000 كم فأعلى، وصواريخ لإطلاق أقمار صناعية) يتم تصنيعه محليًّا، وبناء كوادر علمية مصرية تشكل قاعدة لبناء وتطوير الصواريخ مستقبلًا“,”، مع شركة متعددة الجنسيات (آي فات)، وفرنسية وألمانية وإيطالية وأرجنتينية.
كما نجح المشير أبو غزالة في إقناع الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، بمشاركة مصر بالتمويل في هذا المشروع، على أن يحصل العراق على نفس المصنع والتكنولوجيا التي ستحصل عليها مصر، وفي نفس توقيت حصول مصر عليها. وبالفعل كانت شحنات الطائرات والسفن تنقل أجزاء المصانع لمصر والعراق في توقيت واحد.
وللتأكد من جدية المشروع المصري طالب الجانب العراقي الاطلاع على وثيقة التعاقد بين مصر والشركة الأجنبية المتعاقدة، وقد تحقق له ذلك بزيارة وزير التصنيع الحربي العراقي، رشيد عامر، للقاهرة، كما طلب العراق أن يعقد لقاء بين حسام خيرت وخبير الصواريخ العراقي عامر السعدي، الذي وجّه إلى حسام خيرت أكثر من ثمانين سؤالاً فنيًّا حول المشروع أجابه عليها جميعًا؛ وبذلك وافق صدام حسين، في عام 1984، على المشاركة في المشروع وتمويله. ولما كان مشروع تطوير الصاروخ (كوندور-2) مشتركًا أساسًا بين ألمانيا والأرجنتين، فقد تعاقدت مصر مع الشركة الألمانية ( IFat ) في سالزبورج لإنتاج محرك الصاروخ.
تم تعيين حسام خيرت مديرًا للمشروع ومعه ثمانية من المهندسين المصريين، وكان مقر إدارة المشروع في مونت كارلو بجنوب فرنسا عام 1984، مع وجود مكاتب فرعية لها في الأرجنتين (لتطوير المحرك)، وفي مونت كارلو (لتطوير نظام التوجيه والتصنيع)، وفي إيطاليا (لمستلزمات المحرك)، وفي ألمانيا (خلاطات وقود الصواريخ)، وتم توزيع الضباط المهندسين المصريين بين هذه المكاتب، وكان الاسم الحركي لحسام خيرت “,”د. أحمد يوسف“,”.
- في العام 1986، وأثناء عمل حسام خيرت في فرنسا، وبعد اطلاع الخبراء الألمان على حقيقة الخبرات والإمكانات الفعلية لديه لتطوير وصناعة الصواريخ، عرضوا عليه وديًّا مليون دولار مرتبًا سنويًّا لكي يعمل لصالحهم؛ فرفض ذلك، وعلم أنهم يدبرون لاحتجازه في فرنسا ليعمل مُجبرًا، ولكنه فاوضهم، واتصل بالمشير أبو غزالة لإبلاغه بالقصة، فطلب من حسام خيرت أن يفاوضهم على أن يطلب منهم مخاطبة الجيش المصري كتابة بهذا العرض، وحصل حسام خيرت بالفعل على المليون دولار، وتنازل عنها لصالح مركز البحوث التابع لهيئة التسليح، وأكمل العمل بصفته ضابطًا في الجيش المصري.